إدارة الدراسات الإسلامية وعلوم القرآن لمحافظتي الفروانية والجهراء
أفضل أيام السنَة

أفضل أيام السنَة

09 يونيو 2024

من رحمة الله تعالى وفضله ومَنّه على عباده ان جعل مواسم للطاعات يضاعَف بها الثواب وتُفَتَّح بها أبواب الجِنان. ومن هذه المواسم العشر الأيام الأولى من شهر ذي الحجة التي فضلها الله تعالى على سائر أيام السنة، فعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من أيَّامٍ العملُ الصَّالحُ فيهنَّ أحبُّ إلى اللهِ من هذه الأيَّامِ العشرِ. قالوا: يا رسولَ اللهِ ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ إلَّا رجل خرج بنفسِه ومالِه فلم يرجِعْ من ذلك بشيءٍ." (رواه البخاري). يدل حديث النبي عليه الصلاة والسلام على أن هذه العشر أفضل من سائر أيام السنة، لذا ينبغي على المسلم أن يستقبل هذه الأيام المباركة بتوبة نصوح إلى الله تعالى والإكثار من الأعمال الصالحة عموما، والإكثار من الأعمال الصالحة التالية بشكل خاص اقتداءً بسنة النبي عليه الصلاة والسلام وصحابته الكرام، ولِما ورد عن هذه الأعمال من فضلٍ عظيم.

1) الصيام:

الصيام من أعظم الأعمال التي يتقرب بها العبد لربه، وقد اصطفاه الله تعالى لنفسه كما ورد في الحديث القدسي قال الله تعالى: "كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ له إلَّا الصَّوْمَ، فإنَّه لي وأنا أجْزِي به، ولَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِن رِيحِ المِسْكِ." (رواه البخاري). ومن المستحب للمسلم صيام هذه الأيام المباركة لاسيما اليوم التاسع من ذي الحجة؛ يوم عرفة، لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان حريصاً على صيامه، وصيامه يكفر صغائر ذنوب السنة الماضية والسنة الحالية، فعن قتادة الأنصاري ان رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئِل عن صوم يوم عرفة، فقال: " يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ." (رواه مسلم). إلا أنه يجب الحذر من صيام اليوم العاشر من ذي الحجة لأنه يوم عيد الأضحى، وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام نهيه عن صيام يوم العيد فيما نقل الشيخان عن أبي سعيدٍ رضي الله عنه أنه قال: "نهى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن صومِ يومِ الفِطرِ والنَّحرِ، وعن الصَّمَّاءِ، وأن يحتبيَ الرَّجُلُ في ثَوبٍ واحدٍ." (متفق عليه). وعليه فقد أجمع الفقهاء على حرمة صيام يوم عيد الأضحى اليوم العاشر من ذي الحجة.

2) التهليل والتكبير والتحميد:

يستحب الإكثار من التهليل والتكبير والتحميد أيام العشر من ذي الحجة، قال الله تعالى: "لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۖ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ" (الحج: 28). ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما تفسيره "الأيام المعلومات" بأنها أيام العشر من ذي الحجة وهو قول الجمهور. وعن عبدالله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما مِن أيَّامٍ أَعظَمَ عِندَ اللهِ، ولا أَحَبَّ إلَيهِ مِنَ العملِ فيهِنَّ مِن هذِه الأَيَّامِ العَشرِ؛ فأَكثِرُوا فيهِنَّ مِنَ التَّهليلِ، والتَّكبيرِ، والتَّحميدِ." (أخرجه أحمد).

وللتكبير في العشر من ذي الحجة عدت صور أشهرها قول: "الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد". ومن الفقهاء من يرى ان تكبر ثلاثا فتقول: "الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد" والأمر فيه سعة سواء تم التكبير مرتين أو ثلاثا كله خير.

ويُسَن الجهر في التكبير إحياءً للسنة، فعن عمر رضي الله عنه: "أنَّه كان يُكبِّرُ في قُبَّته بمنًى، فيَسمَعُه أهلُ المسجدِ، فيُكبِّرونَ فيُكبِّر أهلُ الأسواقِ، حتى ترتجَّ منًى تكبيرًا." (رواه البخاري معلقا بصيغة الجزم).

وذكر ابن عثيمين رحمه الله ان التكبير ينقسم إلى:

 "تكبير مطلق، والذي يكون في كل ساعات الليل والنهار يبتدأ من دخول شهر ذي الحجة إلى آخر يوم من أيام التشريق، أي إلى أن تغيب الشمس ليلة الثالث عشر، فتكون أيام التشريق أيام ذكر مطلق، وكذلك أيام العشر التي قبل العيد، وكذلك يوم العيد.

وتكبير مقيد، ويكون من صلاة فجر يوم عرفة إلى صلاة عصر آخر يوم من أيام التشريق، يكون تكبيراً مقيداً دبر كل صلاة مفروضة، فتكون خمس صلوات في يوم عرفة، وخمس صلوات في يوم العيد، وخمس صلوات في الحادي عشر، وخمس صلوات في الثاني عشر، وخمس صلوات في الثالث عشر، الجميع خمس وعشرون صلاة يسن أن يكبر بعدها، أي بعد أن يقول: أستغفر الله ثلاثاً، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، ثم يكبر، فيكون هذا التكبير كالتسبيح والتحميد الذي يسن في كل وقت بعد الصلاة."

3) أداء الحج والعمرة:

من أفضل ما يعمله العبد في هذه العشر المباركة حج بيت الله الحرام، لاسيما حج الفريضة لأنه ركن من أركان الإسلام، ويستحب أيضا حج النافلة لمن أتم حج الفريضة لِما للحج من فضل وتطهير من الخطايا والذنوب، فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَن حَجَّ هذا البَيْتَ، فَلَمْ يَرْفُثْ، ولَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَومِ ولَدَتْهُ أُمُّهُ." (رواه البخاري).

4) الأضحية:

من الأعمال الصالحة المستحبة في هذه العشر إتباع سنة النبي عليه الصلاة والسلام والتقرب إلى الله تعالى بذبح الأضاحي. ويبدأ وقت ذبح الأضحية من بعد صلاة العيد يوم النحر إلى غروب الشمس من آخر يوم من أيام التشريق وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة، فتكون أيام الذبح أربعة، يوم العيد بعد الصلاة وثلاثة أيام بعده. والأفضل المبادرة بالذبح بعد صلاة العيد، كما كان يفعل الرسول عليه الصلاة والسلام، ثم يكون أول ما يُأكل يوم العيد من الأضحية. فقد روى الإمام أحمد عن بريدة رضي الله عنه قال: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ، وَلا يَأْكُلُ يَوْمَ الأَضْحَى حَتَّى يَرْجِعَ، فَيَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ". وعلى من أراد ان يضحي، سواء كان رجلا أو امرأة، ان لا يأخذ من شعره شيء، لا من شعر رأسه ولا لحيته ولا ابطه ولا عانته ولا سائر بدنه، وأيضا لا يأخذ من أظفاره، ويكون ذلك من بداية رؤية هلال شهر ذي الحجة حتى يضحي. فعن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ". (رواه مسلم). وفي رواية أخرى عند مسلم: "فَلا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا". والبشرة: ظاهر جلد الإنسان. وعدم الأخذ من الشعر والأظافر يكون على المضحي فقط لا على أهل بيته ولا على من يوكله بذبح الأضحية. وللفقهاء أقوال فيما يفعل المضحي بأضحيته، فمنهم من قال يأكل منها ويستحب له التصدق بأكثرها، ومنهم من قال يأكل ويدخر لنفسه وأهله النصف ويتصدق بالنصف، ومنهم من قال للمضحي الثلث ويهدي لمن أحب الثلث ويتصدق بالثلث. وعلى كلٍ يجب التصدق بشيء من الأضحية للفقراء، قال الله تعالى: "لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۖ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ" (الحج: 28). وقال جل شأنه: "وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ." (الحج: 36).

كتبه: مصعب العوضي

إدارة الدراسات الإسلامية وعلوم القرآن لمحافظتي الفروانية والجهراء